مشاعر العداء لأميركا في تركيا نتاج لمخاوف أردوغان

تصاعدت مشاعر العداء للولايات المتحدة في تركيا إلى مستويات جديدة.. فقد فتح رجلان النار على السفارة الأميركية في أنقرة هذا الأسبوع، وقالا إنهما غاضبان من هبوط الليرة، بينما تقول الحكومة التركية إنها تتعرض لهجوم اقتصادي من الولايات المتحدة التي فرضت عقوبات على أنقرة بسبب احتجازها مواطنين أميركيين.

يشير استطلاع رأي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) إلى أن 64 في المئة من الأتراك ينظرون إلى الولايات المتحدة نظرة سلبية في يوليو 2017، مقارنة مع 36 بالمئة في 2014. هذه الأرقام تجعل من تركيا واحدة من أشد الدول معاداة للأميركيين في العالم، لكن من المرجح أن تكون مشاعر العداء لأميركا قد زادت تأججا هذا الشهر بسبب الخلاف مع واشنطن.

السياسات الخارجية للدول الحديثة التي تحكمها المؤسسات لا تتغير عادة عند انتقالها من حكومة إلى أخرى، ويتجنب سياسيوها استخدام السياسة الخارجية كأداة لدعم أجندتهم المحلية. بيد أن الدول التي تفتقر إلى المؤسسات الحقيقية غالبا ما تستخدم السياسات الدولية للاستهلاك المحلي.

بدأت مشاعر العداء للولايات المتحدة تتصاعد في تركيا بعد عامي 2013 و2014. فقد أثارها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبثت بذورها وسائل الإعلام التي تسيطر عليها حكومته. والسؤال الذي يجب أن نطرحه هو: ما السبب الحقيقي وراء عداء أردوغان للولايات المتحدة؟

أي أحد يكتب سيرة أردوغان قد يقسمها إلى فترتين؛ فترة ما قبل احتجاجات غيزي الواسعة النطاق في عام 2013، وهي أكبر مظاهرات قامت حتى الآن احتجاجا على حكمه وكذلك بسبب اتهامات الفساد التي وجهت إلى عدد من الوزراء وأقاربهم في ديسمبر من العام ذاته، وفترة ما بعد تلك الاحتجاجات.

بدأت النزعة الشديدة لمعاداة الولايات المتّحدة مباشرة بعد تحقيقات قصيرة الأمد في شهر ديسمبر زعم فيها ممثلو ادعاء على صلة بحركة غولن الغامضة، التي اتهمت لاحقا بتنفيذ محاولة الانقلاب في عام 2016، أن شخصيات حكومية بارزة تورطت في مخطط معقد للالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران. وأوقفت الحكومة التحقيق وألقت القبض على رجال الشرطة وممثلي الادعاء المشاركين فيه.

غير أن تحقيقات ديسمبر أسفرت عن تحول كبير في سياسة تركيا المحلية والخارجية. فبالنظر إلى المشهد السياسي التركي منذ ذلك الحين، يمكننا أن نخلص إلى أن أردوغان سينشغل بهذه المزاعم بقية حياته.

يشدد الرئيس على أن التسجيلات الصوتية والمصورة التي قدمت كأدلة على الفساد ثم جرى تسريبها في وقت لاحق على الإنترنت هي تسجيلات زائفة، دون أن يؤكد عدم تورطه هو أو أفراد عائلته في أي فساد.

لكن حتى وإن أقنع أردوغان مؤيديه بأن التسجيلات زائفة، بما فيها ذلك الذي يوجّه فيه شخص يبدو من صوته وكأنه الرئيس شخصا آخر يبدو ابنه بإخفاء مبالغ كبيرة من النقود، فإن الوضع خارج تركيا يختلف تماما.

فقد تولى ممثلو الادعاء في الولايات المتحدة قضية الفساد، وفي عام 2016 اعتقلوا رضا ضراب، وهو تاجر ذهب تركي من أصول إيرانية يتمتع بصلات قوية بذوي الشأن، ثم اعتقلوا بعد عام محمد حقان عطا الله نائب المدير العام لبنك خلق التركي المملوك للدولة لدى وصوله إلى الولايات المتحدة.

تحول ضراب إلى شاهد ملك في المحاكمة في وقت لاحق من العام الماضي، وشهد بإعطاء رشا بملايين الدولارات إلى وزراء أتراك للتستر على المخطط الذي تبادل فيه الذهب مقابل النفط الإيراني الخاضع للعقوبات. وقال ضراب إن التسجيلات المقدمة في المحاكمة تظهر أن الرئيس أعطى الضوء الأخضر لاستئناف المخطط بعد توقفه عقب التحقيقات التركية في ديسمبر 2013.

لم يتوان أردوغان عن استخدام كل الوسائل المتاحة لديه لوقف هذه المحاكمة، أو الطعن في شرعيتها، أو على الأقل الحيلولة دون وصول نتائجها الحقيقية إلى تركيا.

ربما تسعى السلطات الأميركية إلى اعتقال أو تسلم المزيد من المشتبه بهم من دول ثالثة، ممن يتم الاحتفاظ بهوياتهم في لوائح اتهام سرية ولم تُعرف حتى الآن. كما تجري وزارة الخزانة الأميركية تحقيقا في بنك خلق لدوره في غسل أموال عائدات المخطط المربح المنتهك لعقوبات، وقد تفرض غرامات بمليارات الدولارات ستضطر الحكومة التركية لدفعها في نهاية المطاف.

إن خطاب أردوغان المناهض للولايات المتحدة يخفي وراءه قلقا بشأن مستقبله. لن يقيم أردوغان السلام مع الولايات المتحدة ما لم تسقط المحاكم الأميركية التحقيقات. وفي غضون ذلك، من المرجح أن يواصل الرئيس مغازلة روسيا وإيران والصين كطريقة للمساومة مع الغرب. لكن عند قيامه بذلك، سيساوم أردوغان بمستقبل تركيا من أجل مستقبله الشخصي.
يمكن قراءة المقال باللغة الإنكليزية أيضا: