مع عودة المبايعة في تركيا إلى واجهة الأخبار من جديد، صارت طبيعة النظام الذي أسسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في يوليو 2016 تحت المجهر من جديد. هل هو نظام ديمقراطي؟ هل هو محافظ؟ هل هو اشتراكي؟ قومي؟ فاشي؟ إسلامي؟
قد يكون كل ما سبق، وقد لا يكون شيئاً.
تُجرى الانتخابات، ويُنظر إليها على نطاق واسع على أنها حرة، وإن لم تكن حرة تماماً. هناك برلمان، حتى إن كان دوره جرى تقليصه. بيد أنه ما زالت هناك أيضاً مسألة سياسات الإقصاء والعنف التي تتبعها الحكومة تجاه الأكراد. ويذكرنا شِبْه الحظر الذي فُرض على اللغة الكردية بقومية الزمن الماضي.
والسياسات التي يجري توظيفها لمصلحة رئاسة الشؤون الدينية التابعة للحكومة، ومدارس إمام خطيب الإسلامية، وطوائف إسلامية بعينها، تضفي طابعاً دينياً قوياً على هذا النظام وشعوراً بالأسلمة.
أما القيود الرأسمالية، والقيود على الأسعار، ومدفوعات الرفاه التي تُمنح لخمسة عشر مليون مواطن، فتستدعي إلى أذهاننا روح الاشتراكية. والطريقة التي تتهم الحكومة بها نحو نصف سكان البلاد تقريباً بأنهم على صلة بالإرهاب، تعكس الفاشية.
والأزمات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية التي نشأت تُلقَى المسؤولية فيها على عوامل خارجية، والحلول المقترحة لتلك الأزمات وضعت على أساس هواجس خلقها النظام، وهي عوامل واضحة من عوامل القومية.
والقوى الخارجية، وجماعات الضغط التي تعمل على أسعار الفائدة، والعواصم العالمية، والإمبريالية، هي العقول المدبرة التي تقف وراء مخطط للسيطرة على تركيا. والحل الوحيد هو الإنسان الخارق ذو القدرات الفريدة، واسمه رجب طيب أردوغان.
وفكرة الإنسان الخارق تلك أسس لها المفكرُ الألماني فريدريك نيتشه؛ فقد افترض أن الإنسانية ستحرر نفسها فقط عبر تخليص نفسها من فكرة الإله وأن تصبح سيدة نفسها. وفي رأيه، يمكن أن تُظهر الإنسانية الحقيقية على ذلك النحو.
وكتب نيتشه، الذي وضع أسس فلسفة العدمية، مقولة “لقد مات الله، ونحن الذين قتلناه” الشهيرة. كان نيتشه يعتقد أن إنسانه الخارق يمكن أن يوجد فقط من خلال رفض القيم الدينية. لكن ما زال من الممكن أن يكون الرجل الخارق زعيماً وسيداً يضع قيماً ويسن قوانين للإنسانية. وأعطى نيتشه سمات لإنسانه الخارق ترقى إلى مرتبة الألوهية من حيث السلطة والقيادة.
هذا هو بالضبط ما يحدث في تركيا. فمن المفارقة أن الإسلاميين والقوميين جعلوا من أردوغان رجلاً خارقاً، وأعطوه سلطة لا محدودة والأدوات اللازمة لحل كل مشكلة تواجهها تركيا.
أقول إن هذا من المفارقات لأن من المستحيل الالتفاف حول رجل خارق من دون التخلي عن قيمك الدينية والقومية. كيف يمكن وضع جميع السلطات في يدي رجل واحد، إذا كان الله هو مالك كل شيء وسيده؟ أو إذا كان شعب ما عظيماً بحق؟
في المقابل، ربط أردوغان مصير تركيا بمصيره، وأكد ارتباط اسم البلاد باسمه بشكل متزايد. وقد دمر كل أوجه الرقابة السياسية والبيروقراطية على سلطاته وبنى نظاماً يعتمد على شخصه.
والمسمى الملائم الذي تندرج تحته الطريقة التي عمل بها أردوغان في حياته الاجتماعية والسياسية هو الشوفينية. وهذا مصطلح جديد نسبياً تتسم الأنظمة القومية فيه بالمغالاة في الوطنية وتعتَبر شوفينية.
ويميل هذا التوجه إلى الظهور في الوقت الذي تبدأ تتآكل فيه ثقة الأمة، عندما يبدو الوجود العسكري والاقتصادي والسياسي للدولة مهدداً. والشوفينية وسيلة تتبعها الدولة لحماية نفسها من الموقف التي هي فيه من خلال إبراز الإرادة الوطنية والتضحية بالحريات الشخصية. وتؤكد الشوفينية على مفهوم الأمة كموضوع رئيسي في دعايتها لمحاولة استعادة الثقة الوطنية. وشأنها شأن روسيا بوتين، باتت تركيا أردوغان اليوم نظاماً شوفينياً.
وكما هو الحال مع بوتين أيضاً، كثيراً ما تحل شوفينية أردوغان محل شخصه بالنسبة للأمة كموضوع رئيسي وتحُض على الالتفاف حول الإنسان الخارق كحل لجميع الأزمات العسكرية والسياسية والاقتصادية. تستخدم الشوفينية أيضاً وسائل أخرى مثل الحض على كراهية الأجانب، والجماعات المنافسة والأحزاب السياسية الأخرى – فهي تقف في صف أردوغان في جميع الأمور وتوجه الكراهية نحو المعارضة.
ومن بين الحواضن المهمة لشوفينية أردوغان محاولة الانقلاب التي وقعت في يوليو 2016؛ ففي أعقابها، جرت مراجعة السياسات الخارجية والمحلية على نطاق واسع، ووُلد نظامٌ جديدٌ من الوطنية المتطرفة والقومية التي تتركز في شخص أردوغان.
ويعطي بعض من جيران تركيا أمثلة جيدة على الشوفينية؛ فهناك ألبانيا تحت حكم أنور خوجة، وسوريا الأسد وابنه، وإيران تحت حكم الملالي.
وعلى الرغم من حقيقة أن أردوغان جورجي العرق، فإنه يصر على الانتماء التركي بسبب اعتماده على القومية. ولا يبتعد أردوغان عن الانتماء التركي إلا عندما يؤكد على الإسلام كقوة موحدة، في تكرار لفكرة تجاوز الحكم العثماني لحدود تركيا.
يتزايد عنف شوفينية أردوغان يوماً بعد الآخر، ويجعل المجتمع يلتف حوله كوشاح يلتحف به، ويلملم رأس المال كله تحت سيطرته، مما يجعل المؤسسات تعتمد عليه وتركز السلطة في يديه.
ومن المرجح أنه سيسلم سلطته يوماً ما إلى شخص من أسرته. ومع بناء أردوغان لنظامه الشوفيني المرعب، تُدهَس كل يوم مبادئ اقتصاد السوق الحر، وحرية التعبير، وفصل السلطات، واستقلال القضاء، وحرية تكوين الجمعيات، والحرية الدينية، وهي مبادئ من المفترض أنها بصمات للجمهورية التركية.
ما هي الطبيعة الحقيقية للنظام في تركيا؟

- Rethinking the Value of Turkey in NATO and Hulusi Akar
- Can Erdogan return to Democracy?
- Can Turkey return to the West once again?
- The US and Turkey Relations: Return to Cold War
- Erdoğan’ın oyun planı final safhasına mı geçti?
About Me
Ali Agcakulu is an academic, author, and columnist. After he graduated from the Graduate School of Social Sciences at the Yildiz Technical University in 2016, he worked as a Postdoctoral research fellow at The Catholic University of America. He published two books; “The Brief History of Kurdish Nationalism” and “Said Nursi’s Political Theory or The Reform of Islamic Political Thought”. As a journalist, he was a columnist with Rota Haber and Ocak Medya news websites between 2015-2019. He also has many academic and semi-academic articles published in various magazines and newspapers. He is currently a columnist with the Ahval News website. His expertise is on the history and philosophy of Turkey’s relationships between religion and politics.